بثت قناة الجزيرة في الأسبوعين الماضيين حلقتين خاصتين من برنامج "حوار مفتوح" عن المغرب.
غسان بن جدو
الأولى استضاف خلالها الصحفي التونسي المعروف غسان بن جدو وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة نبيل بن عبد الله , حول الحياة السياسية والحريات العامة بالمغرب، والثانية استضافت مصطفى الرميد القيادي في حزب العدالة والتنمية وتطرقت للرؤية السياسية للحزب ومستقبله وطموحاته في انتخابات 2007 .
على هامش إحدى الحلقتين كان لنا حوار مع غسان بن جدو حول البرنامج الذي يعده ويقدمه وأيضا حول قناة الجزيرة التي تعتبر دون منازع القناة الإخبارية الأولى والأكثر إثارة للجدل على الساحة الإعلامية العربية.
وقبل بدء الحوار نقدم للقارئ نبذة عن الصحفي الذي حاز على الدرع الذهبي لمهرجان وسائل الإعلام ببيروت كأحسن مقدم لبرنامج حواري عربي واعتبرته صحيفة الشرق الأوسط صاحب أفضل برنامج حواري على القنوات الفضائية العربية في عام 2005
ومنذ عام 2003 أصبح بن جدو يحمل صفة مقدم برامج أول في القناة، كما عين مديرا للمكتب الإقليمي لقناة الجزيرة العام الماضي بعد أن كان ولمدة تزيد عن 8 سنوات مديرا للمكتب الإقليمي للجزيرة في إيران وآسيا الوسطى والقوقاز .
وغادر طهران متجها إلى موطن والدته، لبنان، بعد أن أقفلت السلطات الإيرانية مكتب القناة هناك بسبب تغطية إخبارية لم ترض عنها.
وشارك بن جدو الذي التحق بالجزيرة في بداياتها في تقديم برنامجي "أولى حروب القرن" الذي بث بعد أحداث 11 شتنبر 2001 على مدى عام كامل وبرنامج "ما وراء الأحداث" الذي أنجزته القناة بعد اجتياح العراق عام 2003 .
واشتغل قبل ذلك مراسلا لصحيفة "الحياة" اللندنية وقناة "بي بي سي" البريطانية من عام 1995 إلى عام 1999 ومديرا لتحرير مجلة شؤون دولية التي يصدرها معهد الدراسات الدولية بواشنطن بين عامي 1993 و1995 وفي ما يلي نص الحوار :
٭ يتميز برنامج "حوار مفتوح" الذي تعده وتقدمه عن بقية البرامج التلفزيونية الحوارية بحضور الجمهور، هل الغرض هو التميز عن باقي برامج الجزيرة أم أنك تعتبر حضور الجمهور إضافة نوعية للبرنامج؟
ـ ربما للسببين معا الفكرة جديدة في حد ذاتها، لأن المشاهد العربي تعود أن يرى الجمهور في البرامج الفنية والترفيهية وهذه التجربة الأولى التي يحضر فيها الجمهور في برنامج ذي صبغة سياسية.
وأنا حرصت منذ البداية على أن لا يكون الجمهور مجرد ديكور وأن يشارك بوضع الأسئلة والمداخلات، وحتى بعد أن تقلصت مدة بث البرنامج من ساعة ونصف إلى ساعة واحدة أصبحت أستضيف محاورا واحدا حتى أمنح للجمهور فرصة أكبر للمشاركة.
وعليه فقيمة الحلقة تختلف باختلاف الجمهور، هناك أصناف من المشاركين ترتقي بالحوار في حين هناك أصناف أخرى تنزل بمستوى النقاش، وبالتالي فبرنامج "حوار مفتوح" في الواقع مرآة عاكسة للرأي العام العربي بكل تبايناته ومستوياته بالإضافة إلى ذلك كانت لدي رغبة في أن يكون "حوار مفتوح" مختلفا حتى لا تصبح كل البرامج الحوارية للقناة نسخة مطابقة للأصل.
هناك أيضا اختلاف من ناحية الشكل، فنحن لا نبث البرنامج من داخل استوديو مغلق وننتقل من بلد إلى آخر أو من مكان إلى آخر في نفس البلد بهدف التغيير، وأنا سأستمر على هذا النمط رغم أننا نواجه صعوبات كبيرة في تسجيل الحلقات خارج الاستوديو.
٭ هل هناك شروط لانتقاء جمهور حوار مفتوح؟
ـ كلا، الاختيار يتم حسب مواضيع الحلقات، وغالبا الجمهور هو الذي يتصل ويطلب المشاركة، وأحيانا نحن نختار أو نطلب من تيارات معينة سياسية أو ثقافية أو من بعض الجامعات اختيار متحدثين خلال الحلقة.
مثلا في تجربة حوار مفتوح بالمغرب، أنا لم أكن أخطط لأن يحضر الجمهور لأنه عادة ما يكون عدد المشاركين كبيرا، وكنت أنوي أن أحضر بدل الجمهور عددا كبيرا من الضيوف لكن فوجئت ببعض الإخوان المغاربة من المعاهد والكليات يتصلون بي ويطلبون المشاركة فغيرت شكل البرنامج بالكامل وحضر الجمهور في الحلقتين.
وطلبنا نحن أيضا من بعض التيارات السياسية أن تحضر بعض الأشخاص من اختيارها على أساس أن لا يكون العدد كبيرا وهو ما أعطى الشكل النهائي للحلقتين اللتين بثتا مباشرة من المغرب.
٭ هل سبق أن طلبتم تسجيل حلقة مباشرة في إحدى العواصم العربية وقوبل طلبكم بالرفض؟
ـ سجلت أكثر من حلقة من البرنامج في بلد غير قطر، مركز قناة الجزيرة، وبث "حوار مفتوح" من الكويت ومصر والعراق وسوريا ولم أحصل على الموافقة مرة واحدة وكان ذلك في الجزائر والسبب ربما هو أن قناة الجزيرة ممنوعة في الجزائر وهو البلد الوحيد الذي منعنا من العمل فيه.
٭ يلاحظ أن قناة الجزيرة أصبح لها معتقلون "سياسيون" ومكاتب مغلقة في أكثر من بلد وخطوط حمراء لا يجوز تخطيها في أكثر من ملف، وليس من الصعب على المشاهد أن يلاحظ ذلك إلى أي مدى أثر هذا الوضع على حرية التعبير في القناة وعلى صحفييها، خصوصا وأنها أرادت منذ البدء التميز عبر تقديم جرعة كبيرة من النقد وحرية التعبير لمشاهديها؟
ـ لم يؤثر أو بالأحرى لم يدفع قناة الجزيرة إلى تغيير نهجها التحليلي، ويعتبر القائمون على التحرير في الجزيرة بأن الخط الحالي للقناة خط مهني وموضوعي ومتوازن شعاره الرأي والرأي الآخر، وقد يزعج ذلك بعض الأقطار وبعض الحكومات التي تعاطت في البدء بانفعال شديد مع برامج الجزيرة، والبعض الآخر غير سياسته وأصبح يتعاون معنا رغم تحفظه على بعض الأخبار أو بعض البرامج والبعض الآخر عاود إغلاق مكاتبنا وتوقيف بعض مراسلينا.
لكن، أقول لك بصراحة إن هذا الوضع لم يغير كثيرا في نهجنا التحريري ونحن لا نعتبر أننا على حق في كل ما نفعله في الجزيرة، ولكن هذا هو النهج التحريري الذي تعتمده القناة ومن هم معنيون بها.
نحن نؤكد على ضرورة إبراز الرأي والرأي الآخر وعلى أولوية تقديم الخبر وعدم الجنوح إلى المجاملة وكذلك عدم الوقوع في التحريض وللتأكيد لا يوجد لدى القناة هدف خاص إسمه التحريض على فئة دون أخرى كما يتوهم البعض، لكن في بعض الأحيان يعتبر تكرار بعض الأخبار أو مجرد إذاعتها تحريضا، على سبيل المثال نحن كنا أول قناة عربية وعالمية تفتح لها مكتبا في إيران.
وكانت الجزيرة ربما المصدر الأول للأخبار والمواقف والتحليلات بخصوص الشأن الإيراني
لكن الآن نحن ممنوعون في هذا البلد ومكتبنا مغلق منذ سنة تقريبا بسبب تغطيتنا للأحداث في خوزستان لأن إيران اعتبرت ذلك تحريضا وحاولنا أن نفهم المسؤولين أن ذلك لم يكن أمرا مقصودا أو استهدافا للأمن القومي الإيراني ولسنا منخرطين في مؤامرة ضدهم وأننا غطينا الخبر بشكل مهني وعادي وقلنا لهم إن كل القنوات غطت هذه الأحداث، وكانت إجابتهم "نحن نهتم، في العالم كله، بثلاث قنوات هي "سي إن إن" و"بي بي سي" و"الجزيرة"فقلنا لهم إننا ندفع إذن ضريبة نجاحنا فأجابوا ربما يكون الأمر كذلك، ومازالوا لحد الآن يرفضون إعادة فتح المكتب.
٭ أصبح الخط التحريري لقناة الجزيرة واضحا، من خلال طريقة معالجة العديد من القضايا خصوصا السياسية منها وبالتالي هناك توجه معين للقناة وذلك يعطي انطباعا بأن القناة أصبحت شبيهة بـ "حزب سياسي" له توجهاته وبرنامجه ومواقفه وأيضا حدوده ما هو رأيكم؟
ـ كيف للجزيرة أن تكون حزبا سياسيا وفيها الصحفي الإسلامي والقومي العربي واليساري والعلماني وفيها المستقل من أمثالي
٭ يظهر وكأن هناك توافقا بين التوجهات الأغلب في الجزيرة على تبني خط تحريري معين دون المساس ببعض الثوابت؟
ـ قناة الجزيرة حريصة جدا على بعض العناوين الرئيسية التي لا تتنازل عنها، لأن الصحفيين العاملين في القناة جاؤوا من رحم البلدان والمجتمعات العربية وكلهم أتوا إليها مثقلين ببعض الهموم والمعاناة.
وللإشارة فالجزيرة تضم طيفا متنوعا من الصحفيين من كل الدول العربية تقريبا ونحن لا نجامل أحدا إذ نطرح قضايا مثل الديموقراطية والإصلاح ورفض الاستبداد والحفاظ على السيادة الوطنية واستهداف الهوية الثقافية للأمة، ولا نجامل في رفضنا للاحتلال أيا كان، ولا نجامل في ما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني وهذه مسائل محسومة بالنسبة لنا
في هذه القضايا نظهر تحيزنا إلى ما نراه صحيحا من وجهة نظرنا، وبالتالي نحن منحازون إلى الفلسطينيين في صراعهم الطويل مع الاحتلال، ولكن في نفس الوقت نحن لا نخوض حروبا باسم الآخرين، ونحرص دائما على أن نمد المشاهد بالرأي والرأي المخالف لنحقق التوازن.
نحن نزعم بأن معالجة هذه القضايا تتم بمهنية ما دام الرأي والرأي الآخر موجودان ونحرص على أن لا نكون طرفا في الموضوع وإذا اتخذ أحد من صحفيي الجزيرة موقفا من قضية ما فهو مخطئ سواء كنت أنا أو غيري، لأن دورنا هو أن نفتح الملف بلا حرج أو مجاملة وأن نأتي بمختلف الآراء وأن ندير النقاش بشكل موضوعي.
٭ المعروف أن قناة الجزيرة توسعت وأصبحت مؤسسة إعلامية كبيرة، لكن المعروف أيضا
أن القناة تعاني من مضايقات أميركية ومن بعض دول الخليج ومداخيل الإعلانات ليست كبيرة وتكلفة البث المباشر عالية، كيف استطاعت الجزيرة أن تتطور في ظل أجواء موسومة بالعداء والتضييق وقلة الموارد المالية؟
ـ ليس هناك سر، هناك تمويل مباشر من دولة قطر ومن قبل أمير قطر، ولعل الجزيرة هي القناة الوحيدة التي تعلن بشفافية هذا الأمر، ونقول نحن نمول من قبل دولة قطر وأميرها وعندما انطلقت الجزيرة في السابق كانت ميزانيتنا السنوية 30 مليون دولار، ومنح أمير قطر القناة 150 مليون دولار على مدى خمس سنوات وكان مخططا أنه بعد خمس سنوات أي عام 2001 ستصبح قناة الجزيرة شركة مساهمة، لكن بعد أحداث 11 شتنبر 2001، ودخول الجزيرة مرحلة العالمية كان من الصعب أن تصبح شركة مساهمة، واستمر أمير قطر، مشكورا، في تمويل القناة.
الآن توسعت الجزيرة وارتفعت الميزانية من 50 مليون دولار إلى 70 مليون ووصلت هذا العام إلى 100 مليون دولار ونحن نعلن ذلك جزء من مداخيل الجزيرة من الإعلان وهي بسيطة لأن هناك حصارا شبه كامل وأنت تعلمين من يسيطر على سوق الإعلان في العالم العربي، وبالتالي مداخيل الإعلانات تشكل فقط نحو 15 بالمائة من مداخيل القناة وهو مبلغ بسيط جدا، ولكن لدينا الآن مساهمة في شركة إنتاج عالمية ونلجأ إلى بيع البرامج وأصبحت الجزيرة تغطي 50 بالمائة من مداخيلها والباقي مدفوع من قبل دولة قطر، وكما قلت سابقا، لانجد أي حرج في ذلك بل بالعكس نتمنى أن يكون في كل بلاد عربية أمير مثل أمير قطر ونتمنى أن تكون هناك جزيرة وتتوسع حرية التعبير وتكون هناك منافسة وهذا خدمة للأمة العربية وللصحافة.
٭ تتهيأ الجزيرة لإطلاق قناة جديدة باللغة الإنجليزية هل سيكون للقناة الجديدة نفس توجه القناة وخط تحريري واحد؟
ـ طبيعة المخاطب تختلف ما بين قناة الجزيرة العربية وقناة الجزيرة الإنجليزية جمهورنا الآن عربي أو من يتقن أو يعرف العربية ولكن طبعا بعد أن أصبحت القناة عالمية وأصبحت برامجنا تترجم، ونحن نعلم جيدا أن الجزيرة مرصودة على مدى 24 ساعة يوميا في الولايات المتحدة الأميركية وفي البنتاغون وفي "سي أي إي" وفي وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي وتترجم برامجها وأخبارها إلى أكثر من لغة.
كما أن بعض برامج الجزيرة باللغة العربية تترجم للغات أخرى في بعض دول أميركا اللاتينية وماليزيا القناة الجديدة ستكون بالإنجليزية وكل من يتقن هذه اللغة سيستطيع متابعة القناة، وعليه فهي ستهتم بهموم العرب وغير العرب في أميركا وأوربا وآسيا وإفريقيا.
وهذا ما يفسر على سبيل المثال أنه إضافة إلى المركز في الدوحة ستنشأ ثلاثة مراكز أساسية لقناة الجزيرة بالإنجليزية في واشنطن ولندن وكوالالمبور وربما في مرحلة لاحقة سيكون للقناة مركز رئيسي بجنوب إفريقيا الأخبار ستبقى هي نفسها لكن الاهتمام سيختلف لأنها ستتوجه إلى مناطق أخرى غير المنطقة العربية وهذا هو المطلوب منها تحديدا.
موضوع: ميزانية 'الجزيرة' وصلت إلى 100 مليون 
الخميس أغسطس 23, 2007 1:24 pm
